متن زیارت غدیریه
«السَّلَامُ عَلَی مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللَّهِ، خَاتَمِ النَّبِیِّینَ، وَ سَیِّدِ الْمُرْسَلِینَ، وَ صَفْوَةِ رَبِّ الْعَالَمِینَ، أَمِینِ اللَّهِ عَلَی وَحْیِهِ، وَ عَزَائِمِ أَمْرِهِ، الْخَاتِمِ لِمَا سَبَقَ، وَ الْفَاتِحِ لِمَا اسْتَقْبَلَ، وَ الْمُهَیْمِنِ عَلَی ذَلِکَ کُلِّهِ، وَ رَحْمَةُ اللَّهِ وَ بَرَکَاتُهُ وَ صَلَوَاتُهُ وَ تَحِیَّاتُهُ، السَّلَامُ عَلَی أَنْبِیَاءِ اللَّهِ وَ رُسُلِهِ، وَ مَلَائِکَتِهِ الْمُقَرَّبِینَ، وَ عِبَادِهِ الصَّالِحِینَ.
السَّلَامُ عَلَیْکَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ، وَ سَیِّدَ الْوَصِیِّینَ، وَ وَارِثَ عِلْمِ النَّبِیِّینَ، وَ وَلِیَّ رَبِّ الْعَالَمِینَ، وَ مَوْلَایَ وَ مَوْلَی الْمُؤْمِنِینَ وَ رَحْمَةُ اللَّهِ وَ بَرَکَاتُهُ، السَّلَامُ عَلَیْکَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ، یَا أَمِینَ اللَّهِ فِی أَرْضِهِ، وَ سَفِیرَهُ فِی خَلْقِهِ، وَ حُجَّتَهُ الْبَالِغَةَ عَلَی عِبَادِهِ.
السَّلَامُ عَلَیْکَ یَا دِینَ اللَّهِ الْقَوِیمَ، وَ صِرَاطَهُ الْمُسْتَقِیمَ، السَّلَامُ عَلَیْکَ أَیُّهَا النَّبَأُ الْعَظِیمُ، الَّذِی هُمْ فِیهِ مُخْتَلِفُونَ، وَ عَنْهُ یُسْأَلُونَ، السَّلَامُ عَلَیْکَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ.
آمَنْتَ بِاللَّهِ وَ هُمْ مُشْرِکُونَ، وَ صَدَّقْتَ بِالْحَقِّ وَ هُمْ مُکَذِّبُونَ، وَ جَاهَدْتَ وَ هُمْ مُحْجِمُونَ، وَ عَبَدْتَ اللَّهَ مُخْلِصاً لَهُ الدِّینَ، صَابِراً مُحْتَسِباً حَتَّی أَتَاکَ الْیَقِینُ، أَلا لَعْنَةُ اللّهِ عَلَی الظّالِمِینَ.
السَّلَامُ عَلَیْکَ یَا سَیِّدَ الْمُسْلِمِینَ، وَ یَعْسُوبَ الْمُؤْمِنِینَ، وَ إِمَامَ الْمُتَّقِینَ، وَ قَائِدَ الْغُرِّ الْمُحَجَّلِینَ، وَ رَحْمَةُ اللَّهِ وَ بَرَکَاتُهُ.
أَشْهَدُ أَنَّکَ أَخُو الرَّسُولِ وَ وَصِیُّهُ، وَ وَارِثُ عِلْمِهِ، وَ أَمِینُهُ عَلَی شَرْعِهِ، وَ خَلِیفَتُهُ فِی أُمَّتِهِ، وَ أَوَّلُ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ، وَ صَدَّقَ بِمَا أَنْزَلَ عَلَی نَبِیِّهِ، وَ أَشْهَدُ أَنَّهُ قَدْ بَلَّغَ عَنِ اللَّهِ مَا أَنْزَلَهُ فِیکَ، وَ صَدَعَ بِأَمْرِهِ، وَ أَوْجَبَ عَلَی أُمَّتِهِ فَرْضَ وَلَایَتِکَ، وَ عَقَدَ عَلَیْهِمُ الْبَیْعَةَ لَکَ، وَ جَعَلَکَ أَوْلیٰ بِالْمُؤْمِنِینَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ کَمَا جَعَلَهُ اللَّهُ کَذَلِکَ.
ثُمَّ أَشْهَدَ اللَّهَ تَعَالَی عَلَیْهِمْ فَقَالَ: أَ لَسْتُ قَدْ بَلَّغْتُ؟ فَقَالُوا: اللَّهُمَّ بَلَی، فَقَالَ: اللَّهُمَّ اشْهَدْ وَ کَفَی بِکَ شَهِیداً، وَ حَاکِماً بَیْنَ الْعِبَادِ، فَلَعَنَ اللَّهُ جَاحِدَ وَلَایَتِکَ بَعْدَ الْإِقْرَارِ، وَ نَاکِثَ عَهْدِکَ بَعْدَ الْمِیثَاقِ، وَ أَشْهَدُ أَنَّکَ أَوْفَیْتَ بِعَهْدِ اللَّهِ تَعَالَی وَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَی مُوفٍ بِعَهْدِهِ لَکَ، «وَ مَنْ أَوْفیٰ بِما عاهَدَ عَلَیْهُ اللّهَ فَسَیُؤْتِیهِ أَجْراً عَظِیماً» وَ أَشْهَدُ أَنَّکَ أَمِیرُ الْمُؤْمِنِینَ الْحَقُّ، الَّذِی نَطَقَ بِوَلَایَتِکَ التَّنْزِیلُ، وَ أَخَذَ لَکَ الْعَهْدَ عَلَی الْأُمَّةِ بِذَلِکَ الرَّسُولُ، وَ أَشْهَدُ أَنَّکَ وَ عَمَّکَ وَ أَخَاکَ، الَّذِینَ تَاجَرْتُمُ اللَّهَ بِنُفُوسِکُمْ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِیکُمْ: «إِنَّ اللّهَ اشْتَریٰ مِنَ الْمُؤْمِنِینَ أَنْفُسَهُمْ وَ أَمْوٰالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ یُقاتِلُونَ فِی سَبِیلِ اللّهِ فَیَقْتُلُونَ وَ یُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَیْهِ حَقًّا فِی التَّوْرٰاةِ وَ الْإِنْجِیلِ وَ الْقُرْآنِ وَ مَنْ أَوْفیٰ بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَیْعِکُمُ الَّذِی بایَعْتُمْ بِهِ وَ ذٰلِکَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِیمُ التّائِبُونَ الْعابِدُونَ الْحامِدُونَ السّائِحُونَ الرّٰاکِعُونَ السّاجِدُونَ الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ النّاهُونَ عَنِ الْمُنْکَرِ وَ الْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ وَ بَشِّرِ الْمُؤْمِنِینَ» أَشْهَدُ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ أَنَّ الشَّاکَّ فِیکَ مَا آمَنَ بِالرَّسُولِ الْأَمِینِ، وَ أَنَّ الْعَادِلَ بِکَ غَیْرَکَ عَادِلٌ عَنِ الدِّینِ الْقَوِیمِ، الَّذِی ارْتَضَاهُ لَنَا رَبُّ الْعَالَمِینَ، فَأَکْمَلَهُ بِوَلَایَتِکَ یَوْمَ الْغَدِیرِ.
وَ أَشْهَدُ أَنَّکَ الْمَعْنِیُّ بِقَوْلِ الْعَزِیزِ الرَّحِیمِ: «وَ أَنَّ هذٰا صِرٰاطِی مُسْتَقِیماً فَاتَّبِعُوهُ وَ لا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِکُمْ عَنْ سَبِیلِهِ»، ضَلَّ وَ اللَّهِ وَ أَضَلَّ مَنِ اتَّبَعَ سِوَاکَ، وَ عَنَدَ عَنِ الْحَقِّ مَنْ عَادَاکَ.
اللَّهُمَّ سَمِعْنَا لِأَمْرِکَ، وَ أَطَعْنَا وَ اتَّبَعْنَا صِرَاطَکَ الْمُسْتَقِیمَ، فَاهْدِنَا رَبَّنَا، وَ لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ الْهُدَی عَنْ طَاعَتِکَ، وَ اجْعَلْنَا مِنَ الشَّاکِرِینَ لِأَنْعُمِکَ.
وَ أَشْهَدُ أَنَّکَ لَمْ تَزَلْ لِلْهَوَی مُخَالِفاً، وَ لِلتُّقَی مُحَالِفاً، وَ عَلَی کَظْمِ الْغَیْظِ قَادِراً، وَ عَنِ النَّاسِ عَافِیاً، وَ إِذَا عُصِیَ اللَّهُ سَاخِطاً، وَ إِذَا أُطِیعَ اللَّهُ رَاضِیاً، وَ بِمَا عَهِدَ اللَّهُ إِلَیْکَ عَامِلًا، رَاعِیاً مَا اسْتُحْفِظْتَ، حَافِظاً مَا اسْتُودِعْتَ، مُبَلِّغاً مَا حُمِّلْتَ، مُنْتَظِراً مَا وُعِدْتَ.
وَ أَشْهَدُ أَنَّکَ مَا اتَّقَیْتَ ضَارِعاً، وَ لَا أَمْسَکْتَ عَنْ حَقِّکَ جَازِعاً، وَ لَا أَحْجَمْتَ عَنْ مُجَاهَدَةِ عَاصِیکَ نَاکِلًا، وَ لَا أَظْهَرْتَ الرِّضَا بِخِلَافِ مَا یَرْضَی اللَّهُ مُدَاهِناً، وَ لَا وَهَنْتَ لِمَا أَصَابَکَ فِی سَبِیلِ اللَّهِ، وَ لَا ضَعُفْتَ وَ لَا اسْتَکَنْتَ عَنْ طَلَبِ حَقِّکَ مُرَاقِباً.
مَعَاذَ اللَّهِ أَنْ تَکُونَ کَذَلِکَ، بَلْ إِذْ ظُلِمْتَ فَاحْتَسَبْتَ رَبَّکَ، وَ فَوَّضْتَ إِلَیْهِ أَمْرَکَ، وَ ذَکَّرْتَ فَمَا ذَکَرُوا، وَ وَعَظْتَ فَمَا اتَّعَظُوا، وَ خَوَّفْتَهُمُ اللَّهَ فَمَا یَخَافُوا.
وَ أَشْهَدُ أَنَّکَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ جَاهَدْتَ فِی اللّهِ حَقَّ جِهادِهِ، حَتَّی دَعَاکَ اللَّهُ إِلَی جِوَارِهِ، وَ قَبَضَکَ إِلَیْهِ بِاخْتِیَارِهِ، وَ أَلْزَمَ أَعْدَاءَکَ الْحُجَّةَ، بِقَتْلِهِمْ إِیَّاکَ، لِتَکُونَ لَکَ الْحُجَّةُ عَلَیْهِمْ، مَعَ مَا لَکَ مِنَ الْحُجَجِ الْبَالِغَةِ عَلَی جَمِیعِ خَلْقِهِ.
السَّلَامُ عَلَیْکَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ عَبَدْتَ اللَّهَ مُخْلِصاً، وَ جَاهَدْتَ فِی اللَّهِ صَابِراً، وَ جُدْتَ بِنَفْسِکَ صَابِراً مُحْتَسِباً، وَ عَمِلْتَ بِکِتَابِهِ، وَ اتَّبَعْتَ سُنَّةَ نَبِیِّهِ، وَ أَقَمْتَ الصَّلَاةَ، وَ آتَیْتَ الزَّکَاةَ، وَ أَمَرْتَ بِالْمَعْرُوفِ، وَ نَهَیْتَ عَنِ الْمُنْکَرِ مَا اسْتَطَعْتَ، مُبْتَغِیاً مَرْضَاةَ مَا عِنْدَ اللَّهِ، رَاغِباً فِیمَا وَعَدَ اللَّهُ.
لَا تَحْفِلُ بِالنَّوَائِبِ، وَ لَا تَهِنُ عِنْدَ الشَّدَائِدِ، وَ لَا تُحْجَمُ عَنْ مُحَارِبٍ، أَفِکَ مَنْ نَسَبَ غَیْرَ ذَلِکَ وَ افْتَرَی بَاطِلًا عَلَیْکَ، وَ أَوْلَی لِمَنْ عَنَدَ عَنْکَ.
لَقَدْ جَاهَدْتَ فِی اللَّهِ حَقَّ الْجِهَادِ، وَ صَبَرْتَ عَلَی الْأَذَی صَبْرَ احْتِسَابٍ، وَ أَنْتَ أَوَّلُ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ، وَ صَلَّی لَهُ، وَ جَاهَدَ، وَ أَبْدَی صَفْحَتَهُ فِی دَارِ الشِّرْکِ، وَ الْأَرْضُ مَشْحُونَةٌ ضَلَالَةً، وَ الشَّیْطَانُ یُعْبَدُ جَهْرَةً.
وَ أَنْتَ الْقَائِلُ: لَا تَزِیدُنِی کَثْرَةُ النَّاسِ حَوْلِی عِزَّةً، وَ لَا تَفَرُّقُهُمْ عَنِّی وَحْشَةً، وَ لَوْ أَسْلَمَنِی النَّاسُ جَمِیعاً لَمْ أَکُنْ مُتَضَرِّعاً، اعْتَصَمْتَ بِاللَّهِ فَعَزَزْتَ، وَ آثَرْتَ الْآخِرَةَ عَلَی الْأُولَی فَزَهِدْتَ، وَ أَیَّدَکَ اللَّهُ وَ هَدَاکَ، وَ أَخْلَصَکَ وَ اجْتَبَاکَ.
فَمَا تَنَاقَضَتْ أَفْعَالُکَ، وَ لَا اخْتَلَفَتْ أَقْوَالُکَ، وَ لَا تَقَلَّبَتْ أَحْوَالُکَ، وَ لَا ادَّعَیْتَ وَ لَا افْتَرَیْتَ عَلَی اللَّهِ کَذِباً، وَ لَا شَرِهْتَ إِلَی الْحُطَامِ، وَ لَا دَنَّسَکَ الْآثَامُ، وَ لَمْ تَزَلْ عَلَی بَیِّنَةٍ مِنْ رَبِّکَ وَ یَقِینٍ مِنْ أَمْرِکَ، تَهْدِی إِلَی الْحَقِّ وَ إِلَی صِرَاطٍ مُسْتَقِیمٍ.
أَشْهَدُ شَهَادَةَ حَقٍّ، وَ أُقْسِمُ بِاللَّهِ قَسَمَ صِدْقٍ أَنَّ مُحَمَّداً وَ آلَهُ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَیْهِمْ سَادَاتُ الْخَلْقِ، وَ أَنَّکَ مَوْلَایَ وَ مَوْلَی الْمُؤْمِنِینَ، وَ أَنَّکَ عَبْدُ اللَّهِ وَ وَلِیُّهُ وَ أَخُو الرَّسُولِ، وَ وَصِیُّهُ وَ وَارِثُهُ، وَ أَنَّهُ الْقَائِلُ لَکَ:
وَ الَّذِی بَعَثَنِی بِالْحَقِّ مَا آمَنَ بِی مَنْ کَفَرَ بِکَ، وَ لَا أَقَرَّ بِاللَّهِ مَنْ جَحَدَکَ.
وَ قَدْ ضَلَّ مَنْ صَدَّ عَنْکَ، وَ لَمْ یَهْتَدِ إِلَی اللَّهِ تَعَالَی وَ لَا إِلَی مَنْ لَا یُهْدَی بِکَ، وَ هُوَ قَوْلُ رَبِّی عَزَّ وَ جَلَّ: «وَ إِنِّی لَغَفّارٌ لِمَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً ثُمَّ اهْتَدیٰ» إِلَی وَلَایَتِکَ.
مَوْلَایَ فَضْلُکَ لَا یَخْفَی، وَ نُورُکَ لَا یُطْفَی، وَ إِنَّ مَنْ جَحَدَکَ الظَّلُومُ الْأَشْقَی، مَوْلَایَ أَنْتَ الْحُجَّةُ عَلَی الْعِبَادِ، وَ الْهَادِی إِلَی الرَّشَادِ، وَ الْعُدَّةُ لِلْمَعَادِ.
مَوْلَایَ لَقَدْ رَفَعَ اللَّهُ فِی الْأُولَی مَنْزِلَتَکَ، وَ أَعْلَی فِی الْآخِرَةِ دَرَجَتَکَ، وَ بَصَّرَکَ مَا عَمِیَ عَلَی مَنْ خَالَفَکَ، وَ حَالَ بَیْنَکَ وَ بَیْنَ مَوَاهِبِ اللَّهِ لَکَ.
فَلَعَنَ اللَّهُ مُسْتَحِلِّی الْحُرْمَةِ مِنْکَ وَ ذَائِدَ الْحَقِّ عَنْکَ، وَ أَشْهَدُ أَنَّهُمُ الْأَخْسَرُونَ، الَّذِینَ تَلْفَحُ وُجُوهَهُمُ النّارُ، وَ هُمْ فِیها کالِحُونَ وَ أَشْهَدُ أَنَّکَ مَا أَقْدَمْتَ، وَ لَا أَحْجَمْتَ، وَ لَا نَطَقْتَ، وَ لَا أَمْسَکْتَ إِلَّا بِأَمْرٍ مِنَ اللَّهِ وَ رَسُولِهِ، قُلْتَ: وَ الَّذِی نَفْسِی بِیَدِهِ لَنَظَرَ إِلَیَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ، أَضْرِبُ قُدَّامَهُ بِسَیْفِی فَقَالَ: یَا عَلِیُّ أَنْتَ عِنْدِی بِمَنْزِلَةِ هَارُونَ مِنْ مُوسَی إِلَّا أَنَّهُ لَا نَبِیَّ بَعْدِی، وَ أُعْلِمُکَ أَنَّ مَوْتَکَ وَ حَیَاتَکَ مَعِی وَ عَلَی سُنَّتِی، فَوَ اللَّهِ مَا کَذَبْتُ وَ لَا کُذِبْتُ، وَ لَا ضَلَلْتُ وَ لَا ضُلَّ بِی، وَ لَا نَسِیتُ مَا عَهِدَ إِلَیَّ رَبِّی، وَ إِنِّی لَعَلَی بَیِّنَةٍ مِنْ رَبِّی، بَیَّنَهَا لِنَبِیِّهِ، وَ بَیَّنَهَا النَّبِیُّ لِی، وَ إِنِّی لَعَلَی الطَّرِیقِ الْوَاضِحِ، أَلْفِظُهُ لَفْظاً، صَدَقْتَ وَ اللَّهِ وَ قُلْتَ الْحَقَّ.
فَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ سَاوَاکَ بِمَنْ نَاوَاکَ، وَ اللَّهُ جَلَّ ذِکْرُهُ یَقُولُ: «هَلْ یَسْتَوِی الَّذِینَ یَعْلَمُونَ وَ الَّذِینَ لا یَعْلَمُونَ»، وَ لَعَنَ اللَّهُ مَنْ عَدَلَ بِکَ مَنْ فَرَضَ اللَّهُ عَلَیْهِ وَلَایَتَکَ.
وَ أَنْتَ وَلِیُّ اللَّهِ وَ أَخُو رَسُولِهِ، وَ الذَّابُّ عَنْ دِینِهِ، وَ الَّذِی نَطَقَ الْقُرْآنُ بِتَفْضِیلِهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَی: «وَ فَضَّلَ اللّهُ الْمُجاهِدِینَ عَلَی الْقاعِدِینَ أَجْراً عَظِیماً دَرَجاتٍ مِنْهُ وَ مَغْفِرَةً وَ رَحْمَةً وَ کانَ اللّهُ غَفُوراً رَحِیماً» وَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَی:
«أَ جَعَلْتُمْ سِقایَةَ الْحاجِّ وَ عِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرٰامِ کَمَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَ الْیَوْمِ الْآخِرِ وَ جاهَدَ فِی سَبِیلِ اللّهِ لا یَسْتَوُونَ عِنْدَ اللّهِ وَ اللّهُ لا یَهْدِی الْقَوْمَ الظّٰالِمِینَ الَّذِینَ آمَنُوا وَ هاجَرُوا وَ جاهَدُوا فِی سَبِیلِ اللّهِ بِأَمْوٰالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللّهِ وَ أُولئِکَ هُمُ الْفائِزُونَ یُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَ رِضْوٰانٍ وَ جَنّاتٍ لَهُمْ فِیها نَعِیمٌ مُقِیمٌ خالِدِینَ فِیها أَبَداً إِنَّ اللّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِیمٌ» أَشْهَدُ أَنَّکَ الْمَخْصُوصُ بِمِدْحَةِ اللَّهِ، الْمُخْلِصُ لِطَاعَةِ اللَّهِ، لَمْ تَبْغِ بِالْهُدَی بَدَلًا وَ لَمْ تُشْرِکْ بِعِبَادَةِ رَبِّکَ أَحَداً، وَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَی اسْتَجَابَ لِنَبِیِّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ فِیکَ دَعْوَتَهُ.
ثُمَّ أَمَرَهُ بِإِظْهَارِ مَا أَوْلَاکَ لِأُمَّتِهِ، إِعْلَاءً لِشَأْنِکَ، وَ إِعْلَاناً لِبُرْهَانِکَ، وَ دَحْضاً لِلْأَبَاطِیلِ، وَ قَطْعاً لِلْمَعَاذِیرِ، فَلَمَّا أَشْفَقَ مِنْ فِتْنَةِ الْفَاسِقِینَ، وَ اتَّقَی فِیکَ الْمُنَافِقِینَ، أَوْحَی اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِینَ: «یا أَیُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ ما أُنْزِلَ إِلَیْکَ مِنْ رَبِّکَ وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَما بَلَّغْتَ رِسالَتَهُ وَ اللّهُ یَعْصِمُکَ مِنَ النّاسِ» فَوَضَعَ عَلَی نَفْسِهِ أَوْزَارَ الْمَسِیرِ، وَ نَهَضَ فِی رَمْضَاءِ الْهَجِیرِ، فَخَطَبَ فَأَسْمَعَ، وَ نَادَی فَأَبْلَغَ، ثُمَّ سَأَلَهُمْ أَجْمَعَ، فَقَالَ: هَلْ بَلَّغْتُ؟ فَقَالُوا:
اللَّهُمَّ بَلَی، فَقَالَ: اللَّهُمَّ اشْهَدْ، ثُمَّ قَالَ أَ لَسْتُ أَوْلیٰ بِالْمُؤْمِنِینَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ؟ فَقَالُوا: بَلَی، فَأَخَذَ بِیَدِکَ، وَ قَالَ: مَنْ کُنْتُ مَوْلَاهُ فَهَذَا عَلِیٌّ مَوْلَاهُ، اللَّهُمَّ وَالِ مَنْ وَالاهُ، وَ عَادِ مَنْ عَادَاهُ، وَ انْصُرْ مَنْ نَصَرَهُ، وَ اخْذُلْ مَنْ خَذَلَهُ.
فَمَا آمَنَ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِیکَ عَلَی نَبِیِّهِ إِلَّا قَلِیلٌ، وَ لَا زَادَ أَکْثَرُهُمْ إِلَّا تَخْسِیراً، وَ لَقَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَی فِیکَ مِنْ قَبْلُ وَ هُمْ کَارِهُونَ:
«یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا مَنْ یَرْتَدَّ مِنْکُمْ عَنْ دِینِهِ فَسَوْفَ یَأْتِی اللّهُ بِقَوْمٍ یُحِبُّهُمْ وَ یُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَی الْمُؤْمِنِینَ أَعِزَّةٍ عَلَی الْکافِرِینَ یُجاهِدُونَ فِی سَبِیلِ اللّهِ وَ لا یَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذٰلِکَ فَضْلُ اللّهِ یُؤْتِیهِ مَنْ یَشاءُ وَ اللّهُ وٰاسِعٌ عَلِیمٌ إِنَّما وَلِیُّکُمُ اللّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِینَ آمَنُوا الَّذِینَ یُقِیمُونَ الصَّلاةَ وَ یُؤْتُونَ الزَّکاةَ وَ هُمْ رٰاکِعُونَ، وَ مَنْ یَتَوَلَّ اللّهَ وَ رَسُولَهُ وَ الَّذِینَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغالِبُونَ» رَبَّنا آمَنّا بِما أَنْزَلْتَ وَ اتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاکْتُبْنا مَعَ الشّاهِدِینَ، رَبَّنا لا تُزِغْ قُلُوبَنا بَعْدَ إِذْ هَدَیْتَنا وَ هَبْ لَنا مِنْ لَدُنْکَ رَحْمَةً إِنَّکَ أَنْتَ الْوَهّابُ.
اللَّهُمَّ إِنَّا نَعْلَمُ أَنَّ هَذَا هُوَ الْحَقُّ مِنْ عِنْدِکَ، فَالْعَنْ مَنْ عَارَضَهُ وَ اسْتَکْبَرَ وَ کَذَّبَ بِهِ وَ کَفَرَ، وَ سَیَعْلَمُ الَّذِینَ ظَلَمُوا أَیَّ مُنْقَلَبٍ یَنْقَلِبُونَ، السَّلَامُ عَلَیْکَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ، وَ سَیِّدَ الْوَصِیِّینَ، وَ أَوَّلَ الْعَابِدِینَ، وَ أَزْهَدَ الزَّاهِدِینَ، وَ رَحْمَةُ اللَّهِ وَ بَرَکَاتُهُ وَ صَلَوَاتُهُ وَ تَحِیَّاتُهُ.
أَنْتَ مُطْعِمُ الطَّعَامِ عَلیٰ حُبِّهِ مِسْکِیناً وَ یَتِیماً وَ أَسِیراً لِوَجْهِ اللَّهِ، لَا تُرِیدُ مِنْهُمْ جَزٰاءً وَ لا شُکُوراً، وَ فِیکَ أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَی: «وَ یُؤْثِرُونَ عَلیٰ أَنْفُسِهِمْ وَ لَوْ کانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَ مَنْ یُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِکَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ» وَ أَنْتَ الْکَاظِمُ لِلْغَیْظِ، وَ الْعَافِی عَنِ النَّاسِ، وَ اللّهُ یُحِبُّ الْمُحْسِنِینَ*، وَ أَنْتَ الصَّابِرُ فِی الْبَأْساءِ وَ الضَّرّٰاءِ وَ حِینَ الْبَأْسِ، وَ أَنْتَ الْقَاسِمُ بِالسَّوِیَّةِ، وَ الْعَادِلُ فِی الرَّعِیَّةِ، وَ الْعَالِمُ بِحُدُودِ اللَّهِ مِنْ جَمِیعِ الْبَرِیَّةِ.
وَ اللَّهُ تَعَالَی أَخْبَرَ عَمَّا أَوْلَاکَ مِنْ فَضْلِهِ بِقَوْلِهِ: «أَ فَمَنْ کانَ مُؤْمِناً کَمَنْ کانَ فاسِقاً لا یَسْتَوُونَ أَمَّا الَّذِینَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ فَلَهُمْ جَنّاتُ الْمَأْویٰ نُزُلًا بِما کانُوا یَعْمَلُونَ» وَ أَنْتَ الْمَخْصُوصُ بِعِلْمِ التَّنْزِیلِ وَ حُکْمِ التَّأْوِیلِ، وَ نَصْرِ الرَّسُولِ، وَ لَکَ الْمَوَاقِفُ الْمَشْهُورَةُ، وَ الْمَقَامَاتُ الْمَشْهُورَةُ وَ الْأَیَّامُ الْمَذْکُورَةُ، یَوْمَ بَدْرٍ وَ یَوْمَ الْأَحْزَابِ:
«إِذْ زٰاغَتِ الْأَبْصارُ وَ بَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَناجِرَ وَ تَظُنُّونَ بِاللّهِ الظُّنُونَا هُنالِکَ ابْتُلِیَ الْمُؤْمِنُونَ وَ زُلْزِلُوا زِلْزٰالًا شَدِیداً وَ إِذْ یَقُولُ الْمُنافِقُونَ وَ الَّذِینَ فِی قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ ما وَعَدَنَا اللّهُ وَ رَسُولُهُ إِلّا غُرُوراً وَ إِذْ قالَتْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ یا أَهْلَ یَثْرِبَ لا مُقامَ لَکُمْ فَارْجِعُوا وَ یَسْتَأْذِنُ فَرِیقٌ مِنْهُمُ النَّبِیَّ یَقُولُونَ إِنَّ بُیُوتَنا عَوْرَةٌ وَ ما هِیَ بِعَوْرَةٍ إِنْ یُرِیدُونَ إِلّا فِرٰاراً وَ قَالَ اللَّهُ تَعَالَی: وَ لَمّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزٰابَ قالُوا هذٰا ما وَعَدَنَا اللّهُ وَ رَسُولُهُ وَ صَدَقَ اللّهُ وَ رَسُولُهُ وَ ما زٰادَهُمْ إِلّا إِیماناً وَ تَسْلِیماً فَقَتَلْتَ عَمْرَوهُمْ وَ هَزَمْتَ جَمْعَهُمْ، وَ رَدَّ اللّهُ الَّذِینَ کَفَرُوا بِغَیْظِهِمْ لَمْ یَنالُوا خَیْراً وَ کَفَی اللّهُ الْمُؤْمِنِینَ الْقِتالَ وَ کانَ اللّهُ قَوِیًّا عَزِیزاً وَ یَوْمَ أُحُدٍ: إِذْ تُصْعِدُونَ وَ لا تَلْوُونَ عَلیٰ أَحَدٍ وَ الرَّسُولُ یَدْعُوکُمْ فِی أُخْرٰاکُمْ»، وَ أَنْتَ تَذُودُ بِهِمُ الْمُشْرِکِینَ عَنِ النَّبِیِّ ذَاتَ الْیَمِینِ وَ ذَاتَ الشِّمَالِ، حَتَّی صَرَفَهُمَا عَنْکُمُ الْخَائِفِینَ، وَ نَصَرَ بِکَ الْخَاذِلِینَ.
وَ یَوْمَ حُنَیْنٍ عَلَی مَا نَطَقَ بِهِ التَّنْزِیلُ: «إِذْ أَعْجَبَتْکُمْ کَثْرَتُکُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْکُمْ شَیْئاً وَ ضاقَتْ عَلَیْکُمُ الْأَرْضُ بِما رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّیْتُمْ مُدْبِرِینَ ثُمَّ أَنْزَلَ اللّهُ سَکِینَتَهُ عَلیٰ رَسُولِهِ وَ عَلَی الْمُؤْمِنِینَ» وَ الْمُؤْمِنُونَ أَنْتَ وَ مَنْ یَلِیکَ، وَ عَمُّکَ الْعَبَّاسُ یُنَادِی الْمُنْهَزِمِینَ: یَا أَصْحَابَ سُورَةِ الْبَقَرَةِ، یَا أَهْلَ بَیْعَةِ الشَّجَرَةِ، حَتَّی اسْتَجَابَ لَهُ قَوْمٌ قَدْ کَفَیْتَهُمُ الْمَؤُونَةَ، وَ تَکَفَّلْتَ دُونَهُمُ الْمَعُونَةَ.
فَعَادُوا آیِسِینَ مِنَ الْمَثُوبَةِ، رَاجِینَ وَعْدَ اللَّهِ تَعَالَی بِالتَّوْبَةِ، وَ ذَلِکَ قَوْلُهُ جَلَّ ذِکْرُهُ: «ثُمَّ یَتُوبُ اللّهُ مِنْ بَعْدِ ذٰلِکَ عَلیٰ مَنْ یَشاءُ»، وَ أَنْتَ حَائِزٌ دَرَجَةَ الصَّبْرِ، فَائِزٌ بِعَظِیمِ الْأَجْرِ.
وَ یَوْمَ خَیْبَرَ إِذْ أَظْهَرَ اللَّهُ خَوَرَ الْمُنَافِقِینَ، وَ قَطَعَ دَابِرَ الْکَافِرِینَ، وَ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِینَ*: «وَ لَقَدْ کانُوا عاهَدُوا اللّهَ مِنْ قَبْلُ لا یُوَلُّونَ الْأَدْبارَ، وَ کانَ عَهْدُ اللّهِ مَسْؤُلًا» مَوْلَایَ أَنْتَ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ، وَ الْمَحَجَّةُ الْوَاضِحَةُ، وَ النِّعْمَةُ السَّابِغَةُ، وَ الْبُرْهَانُ الْمُنِیرُ، فَهَنِیئاً لَکَ مَا آتَاکَ اللَّهُ مِنْ فَضْلٍ، وَ تَبّاً لِشَانِئِکَ ذِی الْجَهْلِ.
شَهِدْتَ مَعَ النَّبِیِّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ جَمِیعَ حُرُوبِهِ وَ مَغَازِیهِ، تَحْمِلُ الرَّایَةَ أَمَامَهُ، وَ تَضْرِبُ بِالسَّیْفِ قُدَّامَهُ، ثُمَّ لِحَزْمِکَ الْمَشْهُورِ، وَ بَصِیرَتِکَ بِمَا فِی الْأُمُورِ، أَمَّرَکَ فِی الْمَوَاطِنِ، وَ لَمْ یَکُ عَلَیْکَ أَمِیرٌ، وَ کَمْ مِنْ أَمْرٍ صَدَّکَ عَنْ إِمْضَاءِ عَزْمِکَ فِیهِ الْتُّقَی، وَ اتَّبَعَ غَیْرُکَ فِی نَیْلِهِ الْهَوَی، فَظَنَّ الْجَاهِلُونَ أَنَّکَ عَجَزْتَ عَمَّا إِلَیْهِ انْتَهَی، ضَلَّ وَ اللَّهِ الظَّانُّ لِذَلِکَ وَ مَا اهْتَدَی.
وَ لَقَدْ أَوْضَحْتَ مَا أَشْکَلَ مِنْ ذَلِکَ لِمَنْ تَوَهَّمَ وَ امْتَرَی بِقَوْلِکَ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْکَ: قَدْ یَرَی الْحُوَّلُ الْقُلَّبُ وَجْهَ الْحِیلَةِ، وَ دُونَهَا حَاجِزٌ مِنْ تَقْوَی اللَّهِ، فَیَدَعُهَا رَأْیَ الْعَیْنِ، وَ یَنْتَهِزُ فُرْصَتَهَا مَنْ لَا جَرِیحَةَ لَهُ فِی الدِّینِ، صَدَقْتَ وَ خَسِرَ الْمُبْطِلُونَ.
وَ إِذْ مَاکَرَکَ النَّاکِثَانِ فَقَالا: نُرِیدُ الْعُمْرَةَ، فَقُلْتَ لَهُمَا: لَعَمْرِی لَمَا تُرِیدَانِ الْعُمْرَةَ لَکِنِ الْغَدْرَةَ، وَ أَخَذْتَ الْبَیْعَةَ عَلَیْهِمَا، وَ جَدَّدْتَ الْمِیثَاقَ فَجَدَّا فِی النِّفَاقِ، فَلَمَّا نَبَّهْتَهُمَا عَلَی فِعْلِهِمَا أَغْفَلَا وَ عَادَا، وَ مَا انْتَفَعَا، وَ کَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهِمَا خُسْراً.
ثُمَّ تَلَاهُمَا أَهْلُ الشَّامِ فَسِرْتَ إِلَیْهِمْ بَعْدَ الْإِعْذَارِ، وَ هُمْ لَا یَدِینُونَ دِینَ الْحَقِّ وَ لَا یَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ، هَمَجٌ رَعَاعٌ ضَالُّونَ، وَ بِالَّذِی أُنْزِلَ عَلَی مُحَمَّدٍ فِیکَ کَافِرُونَ، وَ لِأَهْلِ الْخِلَافِ عَلَیْکَ نَاصِرُونَ.
وَ قَدْ أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَی بِاتِّبَاعِکَ وَ نَدَبَ إِلَی نَصْرِکَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَی: «یا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّهَ وَ کُونُوا مَعَ الصّادِقِینَ» مَوْلَایَ بِکَ ظَهَرَ الْحَقُّ، وَ قَدْ نَبَذَهُ الْخَلْقُ، وَ أَوْضَحَتِ السُّنَنُ بَعْدَ الدُّرُوسِ وَ الطَّمْسِ، وَ لَکَ سَابِقَةُ الْجِهَادِ عَلَی تَصْدِیقِ التَّنْزِیلِ، وَ لَکَ فَضِیلَةُ الْجِهَادِ عَلَی تَحْقِیقِ التَّأْوِیلِ، وَ عَدُوُّکَ عَدُوُّ اللَّهِ، جَاحِدٌ لِرَسُولِ اللَّهِ، یَدْعُو بَاطِلًا، وَ یَحْکُمُ جَائِراً، وَ یَتَأَمَّرُ غَاصِباً، وَ یَدْعُو حِزْبَهُ إِلَی النَّارِ.
وَ عَمَّارٌ یُجَاهِدُ وَ یُنَادِی بَیْنَ الصَّفَّیْنِ: الرَّوَاحَ الرَّوَاحَ إِلَی الْجَنَّةِ، وَ لَمَّا اسْتَسْقَی، فَسُقِیَ اللَّبَنَ کَبَّرَ وَ قَالَ: قَالَ لِی رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ إِلَهَ: آخِرُ شَرَابِکَ مِنَ الدُّنْیَا ضَیَاحٌ مِنْ لَبَنٍ وَ تَقْتُلُکَ الْفِئَةُ الْبَاغِیَةُ، فَاعْتَرَضَهُ أَبُو الْعَادِیَةِ الْفَزَارِیُّ فَقَتَلَهُ.
فَعَلَی أَبِی الْعَادِیَةِ لَعْنَةُ اللَّهِ وَ لَعْنَةُ مَلَائِکَتِهِ وَ رُسُلِهِ أَجْمَعِینَ، وَ عَلَی مَنْ سَلَّ سَیْفَهُ عَلَیْکَ وَ سَلَلْتَ عَلَیْهِ سَیْفَکَ یَا أَمِیرَ الْمُؤْمِنِینَ مِنَ الْمُشْرِکِینَ وَ الْمُنَافِقِینَ إِلَی یَوْمِ الدِّینِ، وَ عَلَی مَنْ رَضِیَ بِمَا سَاءَکَ وَ لَمْ یَکْرَهْهُ، وَ أَغْمَضَ عَیْنَهُ وَ لَمْ یُنْکِرْهُ، أَوْ أَعَانَ عَلَیْکَ بِیَدٍ أَوْ لِسَانٍ، أَوْ قَعَدَ عَنْ نَصْرِکَ، أَوْ خَذَلَ عَنِ الْجِهَادِ مَعَکَ، أَوْ غَمَطَ فَضْلَکَ، أَوْ جَحَدَ حَقَّکَ، أَوْ عَدَلَ بِکَ مَنْ جَعَلَکَ اللَّهُ أَوْلَی بِهِ مِنْ نَفْسِهِ، وَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَیْکَ وَ رَحْمَةُ اللَّهِ وَ بَرَکَاتُهُ وَ سَلَامُهُ وَ تَحِیَّاتُهُ، وَ عَلَی الْأَئِمَّةِ مِنْ آلِکَ الطَّاهِرِینَ، إِنَّهُ حَمِیدٌ مَجِیدٌ.
وَ الْأَمْرُ الْأَعْجَبُ وَ الْخَطْبُ الْأَفْظَعُ بَعْدَ جَحْدِکَ حَقَّکَ، غَصْبُ الصِّدِّیقَةِ الزَّهْرَاءِ سَیِّدَةِ النِّسَاءِ فَدَکاً، وَ رَدُّ شَهَادَتِکَ وَ شَهَادَةِ السَّیِّدَیْنِ سُلَالَتِکَ وَ عِتْرَةِ أَخِیکَ الْمُصْطَفَی صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَیْکُمْ، وَ قَدْ أَعْلَی اللَّهُ تَعَالَی عَلَی الْأُمَّةِ دَرَجَتَکُمْ، وَ رَفَعَ مَنْزِلَتَکُمْ، وَ أَبَانَ فَضْلَکُمْ، وَ شَرَّفَکُمْ عَلَی الْعَالَمِینَ، فَأَذْهَبَ عَنْکُمُ الرِّجْسَ وَ طَهَّرَکُمْ تَطْهِیراً، قَالَ اللَّهُ جَلَّ وَ عَزَّ: «إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً إِذٰا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً وَ إِذٰا مَسَّهُ الْخَیْرُ مَنُوعاً إِلَّا الْمُصَلِّینَ» فَاسْتَثْنَی اللَّهُ تَعَالَی نَبِیَّهُ الْمُصْطَفَی وَ أَنْتَ یَا سَیِّدَ الْأَوْصِیَاءِ مِنْ جَمِیعِ الْخَلْقِ، فَمَا أَعْمَهَ مَنْ ظَلَمَکَ عَنِ الْحَقِّ، ثُمَّ أَفْرَضُوکَ سَهْمَ ذَوِی الْقُرْبَی مَکْراً، أَوْ حَادُوهُ عَنْ أَهْلِهِ جَوْراً.
فَلَمَّا آلَ الْأَمْرُ إِلَیْکَ أَجْرَیْتَهُمْ عَلَی مَا أَجْرَیَا رَغْبَةً عَنْهُمَا بِمَا عِنْدَ اللَّهِ لَکَ، فَأَشْبَهَتْ مِحْنَتُکَ بِهِمَا مِحَنَ الْأَنْبِیَاءِ عَلَیْهِمُ السَّلَامُ عِنْدَ الْوَحْدَةِ وَ عَدَمِ الْأَنْصَارِ، وَ أَشْبَهْتَ فِی الْبَیَاتِ عَلَی الْفِرَاشِ الذَّبِیحَ عَلَیْهِ السَّلَامُ، إِذْ أَجَبْتَ کَمَا أَجَابَ، وَ أَطَعْتَ کَمَا أَطَاعَ إِسْمَاعِیلُ صَابِراً مُحْتَسِباً، إِذْ قَالَ لَهُ:
«یا بُنَیَّ إِنِّی أَریٰ فِی الْمَنامِ أَنِّی أَذْبَحُکَ فَانْظُرْ ما ذٰا تَریٰ قالَ یا أَبَتِ افْعَلْ ما تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِی إِنْ شاءَ اللّهُ مِنَ الصّابِرِینَ» وَ کَذَلِکَ أَنْتَ لَمَّا أَبَاتَکَ النَّبِیُّ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْکُمَا، وَ أَمَرَکَ أَنْ تَضْطَجِعَ فِی مَرْقَدِهِ، وَاقِیاً لَهُ بِنَفْسِکَ، أَسْرَعْتَ إِلَی إِجَابَتِهِ مُطِیعاً، وَ لِنَفْسِکَ عَلَی الْقَتْلِ مُوَطِّناً، فَشَکَرَ اللَّهُ تَعَالَی طَاعَتَکَ، وَ أَبَانَ عَنْ جَمِیلِ فِعْلِکَ بِقَوْلِهِ جَلَّ ذِکْرُهُ: «وَ مِنَ النّاسِ مَنْ یَشْرِی نَفْسَهُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللّهِ» ثُمَّ مِحْنَتُکَ یَوْمَ صِفِّینَ، وَ قَدْ رُفِعَتِ الْمَصَاحِفُ حِیلَةً وَ مَکْراً، فَأَعْرَضَ الشَّکُّ، وَ عُرِفَ الْحَقُّ وَ اتُّبِعَ الظَّنُّ، أَشْبَهَتْ مِحْنَةَ هَارُونَ إِذْ أَمَّرَهُ مُوسَی عَلَی قَوْمِهِ فَتَفَرَّقُوا عَنْهُ، وَ هَارُونُ یُنَادِیهِمْ:
«یا قَوْمِ إِنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ وَ إِنَّ رَبَّکُمُ الرَّحْمنُ فَاتَّبِعُونِی وَ أَطِیعُوا أَمْرِی قالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَیْهِ عاکِفِینَ حَتّی یَرْجِعَ إِلَیْنا مُوسیٰ» وَ کَذَلِکَ أَنْتَ لَمَّا رُفِعَتِ الْمَصَاحِفُ قُلْتَ: یَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهَا وَ خُدِعْتُمْ، فَعَصَوْکَ وَ خَالَفُوا عَلَیْکَ، وَ اسْتَدْعَوْا نَصْبَ الْحَکَمَیْنِ، فَأَبَیْتَ عَلَیْهِمْ، وَ تَبَرَّأْتَ إِلَی اللَّهِ مِنْ فِعْلِهِمْ وَ فَوَّضْتَهُ إِلَیْهِمْ.
فَلَمَّا أَسْفَرَ الْحَقُّ وَ سَفِهَ الْمُنْکَرُ، وَ اعْتَرَفُوا بِالزَّلَلِ وَ الْجَوْرِ عَنِ الْقَصْدِ وَ اخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِهِ، وَ أَلْزَمُوکَ عَلَی سَفَهِ التَّحْکِیمِ الَّذِی أَبَیْتَهُ، وَ أَحَبُّوهُ وَ حَظَرْتَهُ، وَ أَبَاحُوا ذَنْبَهُمُ الَّذِی اقْتَرَفُوهُ وَ أَنْتَ عَلَی نَهْجِ بَصِیرَةٍ وَ هُدًی، وَ هُمْ عَلَی سُنَنِ ضَلَالَةٍ وَ عَمًی، فَمَا زَالُوا عَلَی النِّفَاقِ مُصِرِّینَ، وَ فِی الْغَیِّ مُتَرَدِّدِینَ، حَتَّی أَذَاقَهُمُ اللَّهُ وَبَالَ أَمْرِهِمْ، فَأَمَاتَ بِسَیْفِکَ مَنْ عَانَدَکَ، فَشَقِیَ وَ هَوَی، وَ أَحْیَا بِحُجَّتِکَ مَنْ سَعِدَ فَهَدَی، صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَیْکَ غَادِیَةً وَ رَائِحَةً، وَ عَاکِفَةً وَ ذَاهِبَةً، فَمَا یُحِیطُ الْمَادِحُ وَصْفَکَ، وَ لَا یُحْبِطُ الطَّاعِنُ فَضْلَکَ.
أَنْتَ أَحْسَنُ الْخَلْقِ عِبَادَةً، وَ أَخْلَصُهُمْ زَهَادَةً، وَ أَذَبُّهُمْ عَنِ الدِّینِ، أَقَمْتَ حُدُودَ اللَّهِ بِجُهْدِکَ، وَ فَلَلْتَ عَسَاکِرَ الْمَارِقِینَ بِسَیْفِکَ، تُخْمِدُ لَهَبَ الْحُرُوبِ بِبَنَانِکَ، وَ تَهْتِکُ سُتُورَ الشُّبَهِ بِبَیَانِکَ، وَ تَکْشِفُ لُبْسَ الْبَاطِلِ عَنْ صَرِیحِ الْحَقِّ، لَا تَأْخُذُکَ فِی اللَّهِ لَوْمَةُ لَائِمٍ.
وَ فِی مَدْحِ اللَّهِ تَعَالَی لَکَ غِنًی عَنْ مَدْحِ الْمَادِحِینَ وَ تَقْرِیظِ الْوَاصِفِینَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَی: «مِنَ الْمُؤْمِنِینَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللّهَ عَلَیْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضیٰ نَحْبَهُ وَ مِنْهُمْ مَنْ یَنْتَظِرُ وَ ما بَدَّلُوا تَبْدِیلًا» وَ لَمَّا رَأَیْتَ قَدْ قَتَلَتْ النَّاکِثِینَ وَ الْقَاسِطِینَ وَ الْمَارِقِینَ، وَ صَدَّقَکَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّی اللَّهُ عَلَیْهِ وَ آلِهِ وَعْدَهُ، فَأَوْفَیْتَ بِعَهْدِهِ، قُلْتَ: أَمَا آنَ أَنْ تُخْضَبَ هَذِهِ مِنْ هَذِهِ، أَمْ مَتَی یُبْعَثُ أَشْقَاهَا، وَاثِقاً بِأَنَّکَ عَلَی بَیِّنَةٍ مِنْ رَبِّکَ وَ بَصِیرَةٍ مِنْ أَمْرِکَ، قَادِماً عَلَی اللَّهِ، مُسْتَبْشِراً بِبَیْعِکَ الَّذِی بَایَعْتَهُ بِهِ، وَ ذٰلِکَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِیمُ.
اللَّهُمَّ الْعَنْ قَتَلَةَ أَنْبِیَائِکَ وَ أَوْصِیَاءِ أَنْبِیَائِکَ بِجَمِیعِ لَعَنَاتِکَ، وَ أَصْلِهِمْ حَرَّ نَارِکَ، وَ الْعَنْ مَنْ غَصَبَ وَلِیَّکَ حَقَّهُ، وَ أَنْکَرَ عَهْدَهُ، وَ جَحَدَهُ بَعْدَ الْیَقِینِ، وَ الْإِقْرَارِ بِالْوَلَایَةِ لَهُ یَوْمَ أَکْمَلْتَ لَهُ الدِّینَ.
اللَّهُمَّ الْعَنْ قَتَلَةَ أَمِیرِ الْمُؤْمِنِینَ وَ مَنْ قَتَلْتَهُ، وَ أَشْیَاعَهُمْ وَ أَنْصَارَهُمْ، اللَّهُمَّ الْعَنْ ظَالِمِی الْحُسَیْنِ وَ قَاتِلِیهِ وَ الْمُتَابِعِینَ عَدُوَّهُ وَ نَاصِرِیهِ، وَ الرَّاضِینَ بِقَتْلِهِ وَ خَاذِلِیهِ، لَعْناً وَبِیلًا.
اللَّهُمَّ الْعَنْ أَوَّلَ ظَالِمٍ ظَلَمَ آلَ مُحَمَّدٍ وَ مَانِعِیهِمْ حُقُوقَهُمْ، اللَّهُمَّ خُصَّ أَوَّلَ ظَالِمٍ وَ غَاصِبٍ لِآلِ مُحَمَّدٍ بِاللَّعْنِ وَ کُلَّ مُسْتَنٍّ بِمَا سَنَّ إِلَی یَوْمِ الدِّینِ.
اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَی مُحَمَّدٍ خَاتَمِ النَّبِیِّینَ وَ سَیِّدِ الْمُرْسَلِینَ وَ آلِهِ الطَّاهِرِینَ، وَ اجْعَلْنَا بِهِمْ مُتَمَسِّکِینَ، وَ بِمُوَالاتِهِمْ مِنَ الْفَائِزِینَ الْآمِنِینَ، الَّذِینَ لَا خَوْفٌ عَلَیْهِمْ وَ لَا یَحْزَنُونَ، إِنَّکَ حَمِیدٌ مَجِیدٌ.» .(5)